قصة الافك
أثناء عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق إلى المدينة، كان صفوان بن المعطل السلمي قد تخلف لبعض حاجته عن جيش الرسول، وما لبث أن أسرع ليلحق بالقوم، ولكن سرعان ما توقف عندما لمح شخصا ملتفا في ثيابه، غارقا في نومه، فنزل عن ناقته، واتجه صوبه بكل خفة حتى لا يفزعه.
وما كان أعظم دهشته حينما تبين أن ذلك الشخص هو عائشة أم المؤمنين، ولم يستطع أن يملك صيحته فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! فاستيقظت عائشة مذعورة على صوته، فقال لها: ما خطبك يرحمك الله فما استطاعت أن ترد عليه حياء وخجلا، ثم قدم إليها راحلته فركبتها، واخذ هو بزمامها، وانطلق يطلب رسول الله دون ان يلتفت نحوها حتى أدرك القوم مقيمين أثناء الظهيرة.
سألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب تخلفها، فقالت: سمعتك ليلة الأمس تؤذن القوم بالرحيل، فذهبت لقضاء بعض شأني، ولما عدت تفقدت عقدي، فإذا هو قد أنسل من عنقي، فذهبت في طلبه، ولما عدت وجدت القوم قد ارتحلوا. فلزمت مكان رحلي لعلكم إذ تفقدونني فلا تجدونني فتعودون في طلبي. ثم غلبني النوم وما استيقظت إلا على صوت صفوان.
صدقها رسول الله في حديثها. ولم يخالطه الشك في أمرها. أما عصبة الإفك وعلى رأسهم عبد الله بن أبى سلول فأخذوا يطعنون في شرفها، ويتهمونها في صفوان، حتى فشت أقاويلهم بين الناس، وبلغ الخبر رسول الله، كما سقط في أذني أبي بكر.
وظل القوم في هجرهم ومرجهم، وشكهم ويقينهم حتى وصلوا المدينة، وعائشة لم تعرف مما يدور بحقها، وحين ذهبت إلى بيتها مسها المرض فلزمت الفراش، ولكنها لم تجد من رسول الله قلبا عطوفا كما تعودت، فزاد هذا سقمها وهي لا تدري ما الذي عيره نحوها.
ولما شفيت، خرجت مع أم مسطح للتنزه، فعرفت منها ما يقول أهل الإفك، فعاودها المرض اشد مما كان. ثم استأذنت النبي بالذهاب إلى بيت أبويها، فذهبت لتستبين الخبر من قبلهما، ولكن بكاءها كان شديدا، وحزنها كان عظيما.
قلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستبطأ الوحي. وبينما هو في حيرة من هذا الأمر، نزل عليه الوحي ببراءة عائشة وهو في بيت أبي بكر، حيث قال الله تعالى: (( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)) النور-11) أما الذي تولى كبره فهو عبد الله بن أبي سلول.