مآثرها وذكرها في التاريخ
قال فرج حسن البوسيفي أسماء بنت عبد الله بن عثمان التيمية، والدة عبد الله بن الزبير بن العوام، وهي بنت أبي بكر الصديق، وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى، قرشية من بني عامر بن لؤي، أسلمت قديما بمكة بعد سبعة عشر نفسا، وتزوجها الزبير بن العوام، وهاجرت وهي حامل منه بولده عبد الله، فوضعته بقباء فكان أول مولود يولد في المدينة المنورة بعد الهجرة، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، ثم إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل، وكانت تلقب بذات النطاقين، سماها رسول الله بذات النطاقين؛ لأنها هيأت له لما أراد الهجرة سفرة فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقا، وفي رواية: صُنِعتْ سفرة للنبي في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فقالت لأبي بكر ما أجد إلا نطاقي قال شقيه باثنين فاربطي بواحد منهما السقاء وبالآخر السفرة. قال الحافظ في الإصابة سنده صحيح. وقال الزبير بن بكار في هذه القصة قال لها رسول الله أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة فقيل لها ذات النطاقين.
أسماء بنت أبي بكر الصديق، أم عبد الله ذات النطاقين، آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة، شهدت اليرموك مع ابنها عبد الله وزوجها. وهي وابنها وأبوها وجدها صحابيون، والبيئة الحسنة بعد توفيق الله تساعد على إخراج الموفقين والناجحين. كانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنين، وعاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن، ومن حفظ جوارحه في شبابه من الذنوب، حفظها الله عليه في الكبر من التلف. كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها فتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر، وهي تعني بهذا أن ما يصاب به الإنسان من أذى فسببه تقصيره في جنب الله، لعله يرجع إلى الله بالتوبة والعمل الصالح.
قالت: تزوجني الزبير، وما له شيء غير فرسه، فكنت أعلفه وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه (أعطاها) له رسول الله على رأسي.. وذكرت القصة، وفيها تنبيه إلى الزوجات في أخذ الأسوة في الصبر على ما تلاقيه من معاناة وتعب وهي ترعى بيتها وأسرتها، وكيف كانت النسوة في الزمان الغابر يعانين التعب البدني، ومع ذلك كانت حياتهن مضرب المثل في السعادة والهناء.
كانت أسماءُ سخية النفس وكانت تقول: يا بناتي تصدقن ولا تنتظرن الفضل، لا تنتظرن ما يزيد عن حاجتكن، فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، وإن تصدقن لن تجدن فقده. وقال ابن الزبير: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما يختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيء لغد. وقد فرض عمر ألفا ألفا للمهاجرات، منهن أم عبد الله وأسماء. كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها، من باب داووا مرضاكم بالصدقة. كانت مع سخائها عالمة رضي الله عنها، وكان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، وقد أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها.