يقول علماء الصحة الغربيون أن اختطاف ساعة إلى ساعة ونصف لنوم قيلولة Napأثناء النهار يقدم فوائد صحية تعادل ما يحصل عليه في نوم ليلة كاملة. لكن هؤلاء العلماء ربطوا الحصول على هذه الفائدة العالية من القيلولة بتوفر شروط النوم الحقيقي فيها والتي يمكن التحقق منها بطرق علمية معروفة. كما بينوا أن الإنسان لا يستغني عن نوم الليل إذا نام وقت القيلولة،
لأن لنوم الليل دوراً هاماً في كثير من وظائف الجسم الحيوية، ونوم القيلولة إضافة له يمكن أن يحفز كلاً من التعلم والذاكرة.
القيلولة القصيرة تفيد مرضى القلب:
من المعروف بالنسبة لمرضى القلب أو المعرضون لأخطار أمراض القلب، أنه توجه لهم ثلاثة نصائح أساسية كي يتجنبوا الحالات المميتة لأمراض القلب، هي أن يتناولوا أغذية تناسب القلب، وأن يجروا الكثير من التمارين، وأن لا يدخنوا. ولكن يبدوا الآن أننا بصدد نصيحة رابعة هي أن يأخذوا لأنفسهم فترة نوم قيلولة يومياً إن أمكن.
يقول علماء يونانيون من مدرسة الطب بجامعة أثينا، بعد دراسة أجروها لمدة 6 سنوات و 3 أشهر على أكثر من 23 ألف شخص بالغ خال من أمراض القلب ونشرت في مجلة أرشيفات الطب الداخلي The Archives of Internal Medicine، أن النوم أثناء النهار لمدة قصيرة يفيد القلب، خصوصاً إذا كان الشخص لم يحصل على كفايته من النوم أثناء الليل، ويقي بصورة خاصة من الموت بالأمراض القلبية.
فقد قاس هؤلاء العلماء الموت من أمراض القلب فوجدوا أن الموت بالنوبات القلبية وأمراض القلب الأخرى يقل بـ 37 % عند الأشخاص الذين يتمتعون بالقيلولة بشكل نظامي (30 دقيقة على الأقل 3 مرات أو أكثر في الأسبوع) مقارنة بمن لا يحصلون على هذه القيلولة. كما وجدوا أن من ينام القيلولة بمعدل أقل يقل عنه الوفيات بأمراض القلب بنسبة 12 % فقط عن الذين لا ينامون أثناء النهار. وقد وجد أن أثر القيلولة يكون أشد عند الرجال العاملين عنه عند غير العاملين، مما يشير إلى إمكانية ارتباط الأمر بالإجهاد والتعب.
ويضيف مدير البحث الدكتور Dimitrios Trichopoulosالذي يعمل أيضاً في جامعة هارفارد الأمريكية أن نوم القيلولة أثناء عمل النهار يساعد على إنقاص الإجهاد المرهق. لكنه يريد أن تؤكد بحوث أخرى هذه النتائج.
تتضمن الكثير من الثقافات، خصوصاً في البلاد الدافئة كمنطقة البحر الأبيض المتوسط وأمريكا اللاتينية، فترة راحة أو نوم أثناء ساعات النهار. وينسجم ذلك مع الانخفاض النسبي لنسب الوفيات بأمراض القلب في تلك البلاد.
لكن هذا الأمر بالنسبة لليونان يرتبط أيضاً بالعادات الغذائية في تلك البلاد المتوسطية أو تناول الوجبات المتوسطية، مثل أكل الكثير من الخضار والفواكه والفول والحبوب والقليل من اللحوم الحمراء واستخدام زيت الزيتون الذي يساهم في إعطاء صحة أفضل للقلب بكثرة. وليس من السهل التفريق بين تأثير الغذاء المتوسطي وتأثير القيلولة، ولكن القيلولة يمكن على كل حال أن تعطي الجسم فترة راحة من إجهاد اليوم المتعب. فحتى 10 ثوان من الراحة في حالة من الإجهاد يمكن أن تنقص مستوى إجهادك. ونصف ساعة نوم هي بالتأكيد أفضل. وإنقاص الإجهاد يفيد القلب بكل تأكيد.
هناك جانب آخر لهذا الموضوع هو أن القيلولة كانت ضحية التقدم في البلدان المتقدمة، وأغلب الغربيين العاملين لا يستطيعون الآن الحصول على فترة من الزمن ومكان مناسب للقيلولة بشكل يومي.
تشير دراسة أخرى تمت في أستراليا من جهة أخرى إلى أنه لكي يقوم الحاصل على القيلولة من قيلولته بكل نشاط ينبغي عليه أن يكتفي بـ 10 دقائق قيلولة، وأنه إذا استمر بها لمدة 20 – 30 دقيقة فإنه سينهض وسيعود إلى العمل النشط بشكل أبطأ.
والكلمة الأخيرة: إذا استطعت أن تجد وقتاً للقيلولة، فجرب أن ترتاح بها، فستشعر بنفسك مليئاً بالحيوية وأكثر إنتاجاً... أما قلبك فسيشكرك.
يقول طبيب القلب جيرالد فليتشر Gerald Fletcherمن فلوريدا أن نتائج البحوث السابقة تشير إلى أهمية معرفة تأثير نمط الحياة على القلب بشكل أفضل، وأنه من الواضح أن إنقاص مستويات الإجهاد بالقيلولة أو حتى بشبه قيلولة (كالجلوس أو الاستلقاء في مكان هادئ أو حتى التعرض للشمس والتوقف عن كل أنواع النشاط لمدة 5 أو 10 دقائق مثلاً) يمكن أن يفيد القلب. ويضيف فليتشر أنه وزملاءه يحسون بشكل متزايد بأهمية النوم بالنسبة لأمراض القلب.
القيلولة في البلدان الدافئة. هل هي صحية؟
كانت الفقرات السابقة بمجملها تتحدث عن قيلولة تتراوح مدتها بين 5 دقائق و 90 دقيقة في فترة بعد الظهر. ولعل هذا يطرح تساؤلاً عما إذا كان نوم القيلولة الأطول مدة، وأحياناً في وقت متأخر (بعد العصر أو المغرب) في البلاد الدافئة والحارة عامة، وفي بلادنا خاصة، يضيف فوائد إلى فوائد القيلولة القصيرة (نصف ساعة أو أقل) أو المتوسطة الطول (60 – 90 دقيقة) في فترة الظهيرة أو ينتقص منها؟
من المعروف أن كثيراً من رجالنا ونسائنا ممن عنده عمل في الصباح يلجأ إلى نوم قيلولة يمكن أن يدوم ساعتين أو ثلاث ساعات أو أكثر تهيؤاً للسهر في الليل. والكثير من هؤلاء يعتبر ذلك تعويضاً عن قصر نوم الليل، فهل هذا التعويض في محله؟
ويعتمد من كان يستطيع التأخر في النوم كربات البيوت وأكثر أصحاب الأعمال الحرة، على إمكانية هذا التأخر، لينال قسطاً كافياً أو أكثر من كاف من النوم في حسابات المدة الزمنية. و لا يمتنع كثير منهم مع ذلك عن نوم القيلولة بعد العصر أو حتى بعد المغرب. فهل مثل هذه القيلولة لها الفائدة نفسها لقيلولة بعد العمل في الفترة الصباحية سيتبعها تتمة للعمل بعد القيلولة؟ وهل لها أصلاً ما يبررها إذا لم يكن هناك جهد كاف يتم صرفه خلال اليوم؟
يتفق جميع خبراء الصحة على أن نوم الليل لا يمكن أن يعوض بنوم النهار، سواءً كان نوم قيلولة أو امتداداً للنوم المتأخر ليلاً خلال الفترة الصباحية، دون خسائر صحية. ومسألة نوم القيلولة قصير أو متوسط المدة بعد الظهر مسألة أخرى لا تعتبر تعويضاً عن نوم الليل، فهي على كل حال تترك الباب أمام نوم حوالي 6 أو 7 ساعات متواصلة في الليل محافظة على فوائد النوم الليلي.
أما ما نراه من نوم متأخر قد يشمل كل الفترة الصباحية بسبب آفة السهر الليلي، فهو لا ينخر في صحة أجسامنا فقط، وإنما في صحة المجتمع بأسره، بسبب ما يؤدي إليه من إهدار ساعات العمل الأكثر إنتاجية والتي نصح بها وحث عليها الدين الإسلامي قبل خبراء الصحة. يقول الحديث الشريف: "بارك الله لأمتي في بكورها"، وينص المثل العامي السوري القديم "نام بكير وفيق بكير، وشوف الصحة كيف بتصير"، بمعنى "نم باكراً واستيقظ باكراً، وسترى أن الصحة ستتحسن".
أما بخصوص الموظفين في بلادنا، ومن يقوم بأعماله الخاصة بنفس توقيت عمل الموظفين سواءً عاد للعمل مساءً أم لا، فإن طبيعة عملهم وصعوبة المواصلات المعروفة ثم الوقت اللازم للغذاء تحضيراً وتناولاً، سيجعل أية قيلولة تقع بعد العصر وربما بعد المغرب. وهذا يستدعي بالطبع عدم إطالة هذه القيلولة حتى تعطي فوائدها المطلوبة. ونصف ساعة أو ساعة ستكون المدة المثلى التي تحقق تجديد طاقة الجسم ولا تجر إلى سهر طويل، مما يتيح لهؤلاء الناس أن يحققوا حاجتهم للنوم الليلي المتواصل فترة كافية من الزمن