| فتح مكة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:23 am | |
| فتح مكة (يُسمَّى أيضاً الفتحَ الأعظمَ)[1] هو غزوة وقعت في العشرين من رمضان من العام الثامن من الهجرة، الموافق 10 يناير 630م، استطاع المسلمون من خلالها فتحَ مدينة مكة وضمَّها إلى دولتهم الإسلامية. وسببُ الغزوة هو أن قبيلةَ قريشٍ انتهكت الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين، وذلك بإعانتها لحلفاءها من بني الدئل بن بكرٍ بن عبد مناةٍ بن كنانة (تحديداً بطنٌ منهم يُقال لهم "بنو نفاثة") في الإغارة على قبيلة خزاعة، الذين هم حلفاءُ المسلمين، فنقضت بذلك عهدَها مع المسلمين الذي سمّي بصلح الحديبية. وردًّاً على ذلك، جَهَّزَ الرسولُ محمدٌ جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة، وتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة، فدخلها سلماً بدون قتال، إلا ما كان من جهة القائد المسلم خالد بن الوليد، إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم خالدٌ وقَتَلَ منهم اثني عشر رجلاً، وفرَّ الباقون منهم، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان.
ولمَّا نزل الرسولُ محمدٌ بمكة واطمأنَّ الناسُ، جاءَ الكعبة فطاف بها، وجعل يطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها بقوس كان معه، ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»[2] «جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»،[3]. ورأى في الكعبة الصورَ والتماثيلَ فأمر بها فكسرت. ولما حانت الصلاة، أمر الرسولُ بلال بن رباح أن يصعد فيؤذن من على الكعبة، فصعد بلالٌ وأذّن.
كان من نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها دينَ الإسلام، ومنهم سيد قريش وكنانة أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر، وغيرُهم. | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:24 am | |
| 2)استعداد المسلمين للخروج عندما قرر الرسول محمدٌ السير لفتح مكة، حرص على كتمان هذا الأمر؛ حتى لا يصل الخبر إلى قريش فتعد العدة لمجابهته، وتصده قبل أن يبدأ في تنفيذ هدفه، فقد كَتَمَ أمرَه حتى عن أقرب الناس إليه، فكَتَمَه عن صاحبه أبي بكر، وزوجته عائشة، فلم يعرف أحدٌ شيئًا عن أهدافه الحقيقية، ولا باتجاه حركته، ولا بالعدو الذي ينوي قتالَه،[20] وكان الرسولُ قد أمر عائشة قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال:" يا بنية ما هذا الجهاز؟"، قالت: "والله ما أدري"، فقال: "والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله؟"، قالت: "والله لا علم لي".[19]
كما بعث الرسول قبل مسيرة مكة سريةً مكونةً من ثمانية رجال، وذلك لإسدال الستار على نياته الحقيقية،[20] وفي ذلك يقول ابن سعد: «لما همَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم (وهو وادي المدينة الذي يجتمع فيه الوديان الثلاثة: بطحان، وقناة، والعقيق)،[20] ليظن ظانٌّ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توجه إلى تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار، فمضوا ولم يلقوا جمعًا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خُشُب (وهو موضع على مرحلة من المدينة إلى الشام يبعد عن المدينة 35 ميلا، أي 56 كيلومتراً تقريباً)، فبلغهم أن رسول الله قد توجه إلى مكة، فأخذوا على (بيبين) حتى لقوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالسُّقيا (وهي موضع يقع في وادي القرى)[28]».[29]
وأعد الرسولُ محمدٌ جيشًا لم تشهد له الحجاز مثيلاً من قبل، فقد وصلت عدته إلى عشرة آلاف رجل،[30] وبث الرسولُ رجالَ العسس بالدولة الإسلامية داخل المدينة وخارجها حتى لا تنتقل أخباره إلى قريش، ثم دعا اللهََ تعالى فقال: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة».[31] وعندما أكمل الرسولُ استعدَاده للسير إلى فتح مكة، كتب الصحابيُّ حاطب بن أبي بلتعة اللخمي كتابًا إلى أهل مكة يخبرهم فيه نبأ تحرك الرسول إليهم، وأرسله مع امرأة مسافرة إلى مكة، ويؤمن المسلمون أن الله تعالى أطلع الرسولَ عن طريق الوحي على هذه الرسالة فقضى على هذه المحاولة وهي في مهدها،[20] فأرسل عليًّا والزبيرَ والمقدادَ فأمسكوا بالمرأة في (روضة خاخ) على بعد اثني عشر ميلاً من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تُخرج الكتابَ فسلمته لهم، ثم استدعي حاطب للتحقيق، فقال: "يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقًا (أي حليفاً) في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام"، فقال الرسول: «أما إنه قد صدقكم»، فقال عمر: "يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق"، فقال الرسول: «إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرًا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»،[32] فنزلت الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .[33] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:25 am | |
| 3)مسير المسلمين من المدينة إلى مكة
«اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدًا»[34] —رسول الإسلام محمد خرج الرسولُ محمدٌ قاصدًا مكة في العاشر من رمضان من العام الثامن للهجرة، واستخلف على المدينة أبا رهم، كلثومَ بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري الكناني،[35] وكان عددُ الجيش عشرةَ آلافٍ فيهم المهاجرون والأنصار الذين لم يتخلف منهم أحد، فسار هو ومن معه إلى مكة يصومُ ويصومون، فلما وصل الجيشُ منطقةَ الكديد (الماء الذي بين قديد وعسفان) أفطر وأفطر الناس معه،[36] وفي منطقة الجحفة لقيه عمُّه العباسُ بن عبد المطلب وقد خرج مهاجرًا بعياله، فسُرَّ الرسول محمدٌ.[37]
وخرج أبو سفيان بنُ الحارث الهاشمي القرشي وعبدُ الله بنُ أمية بنِ المغيرة المخزومي القرشي من مكة، فلقيا الرسولَ محمداً بثنية العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخولَ عليه، فكلمته أمُّ سلمة فقالت: "يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصهرك"، فقال: «لا حاجة لي فيهما؛ أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال»، فلما خرج الخبر إليهما بذلك -ومع أبي سفيان بن الحارث ابنٌ له- فقال: "والله ليأذنن رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا"، فلما بلغ ذلك الرسولَ رقَّ لهما، فدخلا عليه، فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره عما كان مضى فيه فقال:[38]
لـعـمـرك إنـي يـوم أحـمـل رايـة لتغـلب خيل اللات خـيـل مـحـمـد لكـالمـدلج الـحيران أظـلم ليـله فهـذا أوان الحـق أهـدي وأهتدي فـقـل لـثقيف لا أريـد قـتالـكم وقـل لـثقيف تلك عنـدي فأوعدي هـدانـي هـاد غـيـر نـفسي ودلـني إلـى اللـه مـن طـرَّدت كل مطـرد أفـر سـريعًا جـاهـدًا عـن مـحـمـد وأدعـى وإن لـم أنـتـسب لمحـمد هـمُ عـصـبـة مـن لم يـقل بهـواهم وإن كـان ذا رأي يُـلَـمْ ويفـنـد أريــد لأرضـيـهـم ولـسـت بـلاقــط مع القوم ما لم أهد في كل مقعد فما كنت في الجيش الذي نال عامرا ومـا كـان عن غير لساني ولا يدي قــبـائـل جـاءت مـن بـلاد بعـيدة تـوابع جاءت مـن سـهـام وسـردد وإن الـــذي أخــرجـتـمُ وشـتـمتمُ سـيـسـعى لكم امـرؤ غيـر مقـدد فلما أنشد الرسولَ: (إلى الله من طردت كل مطرد)، ضرب الرسولُ في صدره، فقال: «أنت طردتني كل مطرد»،[39] وكان أبو سفيان بنُ الحارث يهجو بشعره الرسولَ كثيرًا، وأما عبد الله بنُ أمية فقد قال للرسول محمدٍ: (فوالله لا أومن بك حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتي بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك كما تقول، ثم وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك).[40] ومع ذلك فإن الرسولَ عفا عنهما وقبل عذرهما.
وتابع الرسولُ سيرَه حتى أتى مر الظهران، وهو واد من أودية الحجاز شمال مكة بـ 22 كم، فنزل فيه عشاءً، فأمر الجيش فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل الرسول على الحرس عمر بن الخطاب.[41] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:25 am | |
| 4)إسلام أبي سفيان بن حرب سيد مكة بعد أن نزل الرسولُ مر الظهران، وأوقد الجيشُ عشرةَ آلاف نار، رأى الصحابيُّ العباسُ بنُ عبد المطلب ذلك، وهذه قصة ماحدث يرويها العباسُ بنفسه:[42] [43]
فقلت: «واصباح قريش! والله لئن دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر»، وركب بغلة رسول الله وخرج يلتمس من يوصل الخبر إلى مكة ليخرجوا إلى رسول الله فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة، وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد خرجوا يلتمسون الأخبار، فلما رأوا النيران قال أبو سفيان: «ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا»، فقال بديل: «هذه والله خزاعة حمشتها الحرب»، فقال أبو سفيان: «خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها»، وسمع العباسُ أصواتَهم فعرفهم فقال: «يا أبا حنظلة»، فقال: «أبو الفضل؟»، قلت: «نعم»، قال: «ما لك، فداك أبي وأمي؟»، قال العباس: قلت: «ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الناس واصباح قريش والله!» قال:«فما الحيلة فداك أبي وأمي؟»، قال: قلت: «والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك»، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئت به، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: «من هذا؟»، فإذا رأوا بغلة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا عليها قالوا: «عمُّ رسول الله على بغلته»، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: «من هذا؟»، وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: «أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغَير عقد ولا عهد»، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ودخل عليه عمر فقال: «يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه»، قال: قلت: «يا رسول الله، إني قد أجرته»، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: «مهلا يا عمر، فوالله أن لو كان من بني عدي ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف»، فقال: «مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من إسلام الخطاب لو أسلم» ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به»، فلما أصبح غدوت به، فلما رآه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟»، قال: «بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني بعد»، قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟»، قال: «بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا»، فقال له العباس: «ويحك أسلم قبل أن نضرب عنقك»، قال: فشهد شهادة الحق فأسلم، قال العباس: قلت: «يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا»، قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن»، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله: «يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها»، قال: فخرجت حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: «يا عباس من هذه؟» فأقول: «غفار»، فيقول: «ما لي ولغفار»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «سليم»، فيقول: «ما لي ولسليم»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «مزينة»، فيقول: «يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «جهينة»، فيقول: «ما لي ولجهينة»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «كنانة بنو ليث بن بكر وبنو ضمرة بن بكر»، فيقول: «نعم، أهل شؤم والله، هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما والله ما شُووِرت فيهم ولا علمته، ولكنه أمر حُتِم»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «أشجع»، فيقول: «هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد»، حتى مر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: «سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟»، قال: قلت: «هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المهاجرين والأنصار»، قال: «ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة»، ثم قال: «والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيمًا»، قال: قلت: «يا أبا سفيان: إنها النبوة»، قال: «فنعم إذن»، قال: قلت: «النجاء إلى قومك». لقد تعمد الرسول شن الحرب النفسية على أعدائه أثناء سيره لفتح مكة،[20] حيث أمر الرسول بإيقاد النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار في ليلة واحدة حتى ملأت الأفق، فكان لمعسكرهم منظر مهيب كادت تنخلع قلوب القرشيين من شدة هوله،[44] وقد قصد الرسولُ من ذلك تحطيمَ نفسيات أعدائه والقضاءَ على معنوياتهم حتى لا يفكروا في أية مقاومة، وإجبارَهم على الاستسلام لكي يتم له تحقيقُ هدفه دون إراقة دماء.[20] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:26 am | |
| 5)إسلام أبي سفيان بن حرب سيد مكة بعد أن نزل الرسولُ مر الظهران، وأوقد الجيشُ عشرةَ آلاف نار، رأى الصحابيُّ العباسُ بنُ عبد المطلب ذلك، وهذه قصة ماحدث يرويها العباسُ بنفسه:[42] [43]
فقلت: «واصباح قريش! والله لئن دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر»، وركب بغلة رسول الله وخرج يلتمس من يوصل الخبر إلى مكة ليخرجوا إلى رسول الله فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة، وكان أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد خرجوا يلتمسون الأخبار، فلما رأوا النيران قال أبو سفيان: «ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا»، فقال بديل: «هذه والله خزاعة حمشتها الحرب»، فقال أبو سفيان: «خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها»، وسمع العباسُ أصواتَهم فعرفهم فقال: «يا أبا حنظلة»، فقال: «أبو الفضل؟»، قلت: «نعم»، قال: «ما لك، فداك أبي وأمي؟»، قال العباس: قلت: «ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الناس واصباح قريش والله!» قال:«فما الحيلة فداك أبي وأمي؟»، قال: قلت: «والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك»، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئت به، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: «من هذا؟»، فإذا رأوا بغلة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا عليها قالوا: «عمُّ رسول الله على بغلته»، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: «من هذا؟»، وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: «أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغَير عقد ولا عهد»، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ودخل عليه عمر فقال: «يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه»، قال: قلت: «يا رسول الله، إني قد أجرته»، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: «مهلا يا عمر، فوالله أن لو كان من بني عدي ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف»، فقال: «مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من إسلام الخطاب لو أسلم» ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به»، فلما أصبح غدوت به، فلما رآه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟»، قال: «بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني بعد»، قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟»، قال: «بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا»، فقال له العباس: «ويحك أسلم قبل أن نضرب عنقك»، قال: فشهد شهادة الحق فأسلم، قال العباس: قلت: «يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا»، قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن»، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله: «يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها»، قال: فخرجت حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: «يا عباس من هذه؟» فأقول: «غفار»، فيقول: «ما لي ولغفار»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «سليم»، فيقول: «ما لي ولسليم»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «مزينة»، فيقول: «يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «جهينة»، فيقول: «ما لي ولجهينة»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «كنانة بنو ليث بن بكر وبنو ضمرة بن بكر»، فيقول: «نعم، أهل شؤم والله، هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما والله ما شُووِرت فيهم ولا علمته، ولكنه أمر حُتِم»، ثم تمر به القبيلة فيقول: «يا عباس من هؤلاء؟»، فأقول: «أشجع»، فيقول: «هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد»، حتى مر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: «سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟»، قال: قلت: «هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المهاجرين والأنصار»، قال: «ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة»، ثم قال: «والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيمًا»، قال: قلت: «يا أبا سفيان: إنها النبوة»، قال: «فنعم إذن»، قال: قلت: «النجاء إلى قومك». لقد تعمد الرسول شن الحرب النفسية على أعدائه أثناء سيره لفتح مكة،[20] حيث أمر الرسول بإيقاد النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار في ليلة واحدة حتى ملأت الأفق، فكان لمعسكرهم منظر مهيب كادت تنخلع قلوب القرشيين من شدة هوله،[44] وقد قصد الرسولُ من ذلك تحطيمَ نفسيات أعدائه والقضاءَ على معنوياتهم حتى لا يفكروا في أية مقاومة، وإجبارَهم على الاستسلام لكي يتم له تحقيقُ هدفه دون إراقة دماء.[20] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:28 am | |
| 6)دخول المسلمين مكة
رسم يصور دخول الرسول والمسلمين إلى مكة بعد فتحها دخلت قواتُ المسلمين مكةَ من جهاتها الأربع في آنٍ واحدٍ، ولم تلق تلك القوات مقاومة تقريباً، وكان في دخول جيش المسلمين من الجهات الأربع ضربةٌ قاضيةٌ لجنود قريش، حيث عجزت عن التجمع، وضاعت منها فرصةُ المقاومة، وهذا من التدابير الحربية الحكيمة التي لجأ إليها الرسولُ محمدٌ عندما أصبح في مركز القوة في العدد والعتاد، ونجحت خطة الرسول؛ فلم يستطع المشركون المقاومة، ولا الصمودَ أمام الجيش الزاحف إلى أم القرى، فاحتل كل فيلق منطقته التي وُجّه إليها، في سلم واستسلام، إلا ما كان من المنطقة التي توجه إليها خالد،[48] فقد تجمع بعضُ رجال قريش ومنهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم مع بعض حلفائهم في مكان اسمه (الخندمة) وتصدوا للقوات المتقدمة بالسهام، وصمموا على القتال، فأصدر خالد بن الوليد أوامره بالانقضاض عليهم، وما هي إلا لحظات حتى قضى على تلك القوة وشتت شمل أفرادها، وبذلك أكمل الجيشُ السيطرةَ على مكة المكرمة.[49]
وقُتل من المسلمين كرز بن جابر الفهري القرشي وخنيس بن خالد الخزاعي، كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا، وأما المشركون فإن المسلمين قد أصابوا اثني عشر رجلا منهم فانهزموا وفرّوا.[19]
ويُروى أن رجلا من بني الدئل بن بكر من قبيلة كنانة اسمه حماس بن خالد الدئلي الكناني، كان قد أعد سلاحًا لمقاتلة المسلمين، وكانت امرأته إذا رأته يصلحه ويتعهده تسأله: "لماذا تعدُّ ما أرى؟"، فيقول: "لمحمد وأصحابه"، وقالت امرأته له يومًا: "والله ما أرى أنه يقوم لمحمد وصحبه شيء"، فقال: "إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم"، ثم قال يرتجز:
إن يـقـبـلـوا الـيـوم فـما لي عـلـة هـــذا ســـلــاح كـــامـــل وألَّـــة وذو غــراريـن ســريــع الـــســلــة فلما جاء يوم الفتح كان ممن قاتل مع عكرمة، ثم حين انهزم جند عكرمة، خرج منهزمًا حتى بلغ بيته فقال لامرأته: "أغلقي عليَّ الباب"، فقالت المرأة له: "فأين ما كنت تقول؟"، فقال يعتذر لها:[50]
إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فـر صفـوان وفـر عكـرمـة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة يقطـعن كل سـاعد وجمـجمة ضـربًا فـلا تـسـمع إلا غمـغمة لهم نهيتٌ خلفـنا وهمـهمة لم تنـطقي باللوم أدنى كلمة وأقبل خالدٌ يجوس مكة حتى وافى الرسولَ على الصفا. وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية الرسولِ بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه الرسول.[19]
وحرص الرسولُ محمدٌ أن يدخل الكداء التي بأعلى مكة[51] تحقيقًا لقول صاحبه الشاعر حسان بن ثابت، حين هجا قريشاً وأخبرهم "بأن خيل الله تعالى ستدخل من كداء"، حيث قال:[52]
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعـدها كـداءُ يـنـازعـن الأعنـة مصغيات على أكتافها الأسل الظـماءُ تـظـل جيـادنـا متمـطرات يلـطمهـن بالخُمُرِ النـسـاءُ فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاءُ وإلا فـاصبـروا لجـلاد يوم يعز اللـه فيـه مـن يشـاءُ وجبـريـل رسـول الله فـيـنا وروح القـدس ليس له كفـاءُ وقـال الله قد أرسـلت عبـدا يقول الحق إن نفـع البـلاءُ شهـدت بـه فقومـوا صدقوه فقلـتـم لا نقـوم ولا نشـاءُ وقال اللـه قد سيرت جندًا هم الأنصار عرصتها اللقـاءُ لنا في كـل يـوم من معـد سبـاب أو قتـال أو هـجـاءُ فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختـلط الدمـاءُ ألا أبـلغ أبا سفيـان عني مغلـغلة فقد بـرح الخفـاءُ بأن سيوفنا تركـتـك عبدًا وعبد الدار سادتها الإمـاءُ هجوتَ محمدًا فأجـبـتُ عنـه وعند الـله في ذاك الجزاءُ أتهجـوه ولست لـه بكـفء؟ فشركـمـا لخيركـما الفداءُ هجوت مباركًا بـرًّا حنـيفًا أميـن الله شـيمـتـه الوفـاءُ أمن يـهـجـو رسول الله منكم ويـحمـده ويـنـصـره سـواءُ فإن أبي ووالـده وعـرضـي لـعـرض محـمد منـكم وقـاءُ لسـاني صـارم لا عـيب فيه وبـحـري لا تـكـدره الـدلاءُ ومما يؤيد حرص الرسولِ على دخوله من كداء ما جاء عن عبد الله بن عمر قال: لما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام الفتح، رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر؛ فتبسم إلى أبي بكر فقال: «يا أبا بكر، كيف قال حسان؟»، فأنشده قوله:[53]
تـظـل جيـادنـا متمـطرات يلـطمهـن بالخُمُرِ النـسـاءُ ودخل الرسولُ محمدٌ مكةَ وعليه عمامة سوداء بغير إحرام،[54] وهو واضع رأسه تواضعًا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل، ودخل وهو يقرأ سورة الفتح مستشعرًا بنعمة الفتح وغفران الذنوب، وإفاضة النصر العزيز،[55] وعندما دخل مكة فاتحًا أردف أسامة بن زيد -وهو ابن زيد بن حارثة مولى الرسولِ محمدٍ- ولم يردف أحدا من أبناء بني هاشم وأبناء أشراف قريش وهم كثير، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان، سنة ثمانٍ من الهجرة.[56]
ويقول الشيخ محمد الغزالي واصفاً دخول الرسولِ مكةَ:[57]
وأصبحت أم القرى وقد قيّد الرعب حركاتها، واسترخت تجاه القدر المنساق إليها، فاختفى الرجال وراء الأبواب الموصدة، أو اجتمعوا في المسجد الحرام يرقبون مصيرهم وهم واجمون. على حين كان الجيش الزاحف يتقدّم ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على ناقته تتوج هامتَه عمامةٌ دسماء، ورأسه خفيض من شدة التخشّع لله، لقد انحنى على رحله، وبدا عليه التواضع الجمّ، حتى كاد عثنونه يمسّ واسطة الرحل. إنّ الموكب الفخم المهيب الذي ينساب به حثيثاً إلى جوف الحرم، والفيلق الدارع الذي يحفّ به ينتظر إشارة منه، فلا يبقى بمكة شيء آمن، إنّ هذا الفتح المبين ليذكّره بماض طويل الفصول كيف خرج مطاردا؟ وكيف يعود اليوم منصوراً مؤيداً! وأيّ كرامة عظمى حفّه الله بها في هذا الصباح الميمون! وكلّما استشعر هذه النعماء ازداد لله على راحلته خشوعاً وانحناءً ويبدو أنّ هناك عواطف أخرى كانت تجيش في بعض الصدور. ولما نزل الرسول محمدٌ بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به، وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»[58] «جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»[59] والأصنام تتساقط على وجوهها،[60] ورأى في الكعبة الصور والتماثيل فأمر بالصور وبالتماثيل فكسرت،[61] وأبى أن يدخل جوف الكعبة حتى أخرجت الصور، وكان فيها صورة يزعمون أنها صورة إبراهيم وإسماعيل وفي يديهما من الأزلام فقال الرسولُ محمدٌ: «قاتلهم الله؛ لقد علموا ما استقسما بها قط».[62]
ثم دخل البيت وكبَّر في نواحيه ثم صلى، فقد روى ابنُ عمر: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقها عليه ثم مكث فيها، قال ابن عمر: «فسألت بلالا حين خرج: "ما صنع رسول الله؟"، قال: "جعل عمودين عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه -وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى"».[63]
وبعد أن صلى الرسول هناك، دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحّد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع، فأخذ بعضادتي الباب، وهم تحته، فقال:[19]
لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد -السوطا والعصا- ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب، ثم تلا هذه الآية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . وكان مفتاح الكعبة مع عثمان بن طلحة قبل أن يسلم، فأراد عليّ أن يكون المفتاح له مع السقاية، لكن الرسولَ دفعه إلى عثمان بعد أن خرج من الكعبة ورده إليه قائلا: «اليوم يوم بر ووفاء»،[64] وكان الرسولُ قد طلب من عثمان بن طلحة المفتاحَ قبل أن يهاجر إلى المدينة، فأغلظ له القول ونال منه، فحلم عنه، وقال: «يا عثمان، لعلك ترى هذا المفتاح يومًا بيدي، أضعه حيث شئت»، فقال: "لقد هلكت قريش يومئذ وذلت"، فقال: «بل عمرت وعزت يومئذ»، ووقعت كلمته من عثمان بن طلحة موقعًا، وظن أن الأمر سيصير إلى ما قال،[65] إلا أن الرسول قد أعطاه مفاتيح الكعبة قائلا له: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء،[66] خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم»[67]، فلم يُعْطِ الرسولُ المفتاحَ أحداً من بني هاشم، وقد تطاول لأخذه رجالٌ منهم، لما في ذلك من الإثارة، ولما به من مظاهر السيطرة وبسط النفوذ.[20]
وحانت الصلاة، فأمر الرسولُ بلالاً أن يصعد فيؤذن على الكعبة، وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب: "لقد أكرم الله أسيدا ألايكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه"، فقال الحارث: "أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته"، فقال أبو سفيان: "أما والله لا أقول شيئا، لو تكلمات لأخبرت عني هذه الحصباء"، فخرج عليهم الرسولُ فقال لهم: «قد علمت الذي قلتم»، ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب: "نشهد أنك رسولُ الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول: أخبرك".[19]
رسم فارسي لبلال بن رباح وهو يؤذن من على سطح الكعبة بعد فتح مكة عام 8 هـ وفي غداة الفتح بلغ النبيَّ أن خزاعةَ حلفاءَه عدت على رجل من هذيل فقتلوه -وهو مشرك- برجل قتل في الجاهلية، فغضب وقام بين الناس خطيبًا فقال:[68]
يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد فيها شجرًا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبًا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم. يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، فلقد كثر أن يقع، لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فعقله. ولما تم فتح مكة على الرسول، قال الأنصار فيما بينهم: "أترون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها"، وهو يدعو على الصفا رافعا يديه، فلما فرغ من دعائه قال: «ماذا قلتم؟»، قالوا: "لا شيء يا رسول الله"، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال: «معاذ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم».[19]
وأقام الرسولُ بمكة تسعة عشر يوما، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره".[19] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:28 am | |
| 7)النفر الذين أهدر الرسولُ دمهم أهدر الرسولُ يومئذ دماء تسعة نفر من المشركين، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم: عبد العزى بن خطل التميمي، وعبد الله بن أبي سرح القرشي، وعكرمة بن أبي جهل القرشي، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة الكناني، وهبار بن الأسود القرشي، وقينتان كانتا لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو الرسول، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب بن هاشم، وهي التي وجد معها كتاب حاطب بن أبي بلتعة.[19]
من هؤلاء من قُتل، ومنهم من جاء مسلمًا تائبًا فعفا عنه الرسول، وحسُن إسلامه.[69] فأما ابن خطل فكان متعلقا بأستار الكعبة، فجاء رجل إلى الرسول وأخبره فقال: «اقتله»، فقتله، وأما ابن أبي سرح، فجاء به عثمان إلى الرسول، وشفع فيه فحقن دمه، وقبل إسلامه، وأما عكرمة بن أبي جهل فأسلم وأمَّنه الرسول، وأما الحارث فكان شديد الأذى للرسول بمكة، فقتله علي، وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله، وكان مقيس قد أسلم قبل ذلك، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، ثم ارتد ولحق بالمشركين، وأما هبار بن الأسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت الرسول حين هاجرت، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر هبار يوم مكة، ثم أسلم وحسن إسلامه، وأما القينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للآخرى، فأسلمت، كما استؤمن لسارة وأسلمت.[19]
[عدل]إعلان العفو العام نال أهلُ مكة عفوًا عامًّا رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول محمدٍ ودعوته، ورغم قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول فيهم، فقال: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، فقالوا: "خيرًا أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ"، فقال: «لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ»[70].[71] وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي، وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها، فلم تُعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى المفتوحة عنوة؛ لقدسيتها وحرمتها عند المسلمين، فهم يؤمنون أنها دار النسك، ومتعبد الخلق، وحرم الرب تعالى.
كما أجار الرسولُ رجلين من بني مخزوم، كانت أم هانئ بنت أبي طالب قد حمتهما، إذ قالت أم هانئ بنت أبي طالب: «لما نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأعلى مكة فر إليَّ رجلان من أحمائي، من بني مخزوم، وكانت عند هُبيرة بن أبي وهب المخزومي، قالت: فدخل عليٌّ بن أبي طالب أخي، فقال: "والله لأقتلنهما"، فأغلقت عليهما باب بيتي، ثم جئت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصرف إليَّ فقال: «مرحبًا وأهلا يا أم هانئ، ما جاء بك؟»، فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي، فقال: «قد أجرْنا من أجرتِ وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما»».[72] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:30 am | |
| 8 دخول أهل مكة الإسلام
رسم يصور المسلمين بعد أن دخلوا مكة وبدأوا بتكسير الأصنام كان من أثر عفو الرسولِ الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أَهدر دماءَهم، أن دخل أهلُ مكة رجالاً ونساءً وأحرارًا وموالي في الإسلام طواعية واختيارًا، وبدخول مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في الإسلام أفواجاً،[73] وبايع الرسولُ الناس جميعا الرجال والنساء، والكبار والصغار، وبدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على "الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا".[20]
وجاء مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بعد يوم الفتح فقال للرسول: "جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة"، فقال الرسول: «ذهب أهل الهجرة بما فيها»، فقال: "على أي شيء تبايعه؟" قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد».[74]
ولما فرغ الرسولُ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفا من الرسولِ أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال الرسولُ: «أبايعكن على ألاتشركن بالله شيئا»، فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئا، فقال الرسول: «ولا تسرقن»، فقالت هند: "إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟"، فقال أبو سفيان: "وما أصبت فهو لك حلال"، فضحك الرسولُ وعرفها، فقال: «وإنك لهند؟»، قالت: "نعم، فاعف عما سلف يا نبيّ الله، عفا الله عنك". فقال: «ولا يزنين»، فقالت: "أوتزني الحرة؟"، فقال: «ولا يقتلن أولادهن»، فقالت: "ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كبارا، فأنتم وهم أعلم" -وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر- فضحك عمر حتى استلقى، فتبسم الرسول، فقال: «ولا يأتين ببهتان»، فقالت: "والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق"، فقال: «ولا يعصينك في معروف»، فقالت: "والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك"، ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: "كنا منك في غرور".[19]
[عدل]إسلام صفوان بن أمية لم يكن صفوان ممن أهدر دمه، لكنه بصفته زعيماً كبيراً من زعماء قريش خاف على نفسه وفَرَّ، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي القرشي الرسولَ فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر من جدة إلى اليمن فردَّه، فقال للرسول: "اجعلني بالخيار شهرين"، قال: «أنت بالخيار أربعة أشهر»، ثم أسلم صفوان، وقد كانت امرأته أسلمت قبله، فأقرهما على النكاح الأول.
[عدل]إسلام سهيل بن عمرو كما أسلم سهيل بن عمرو الذي كاتَبَ الرسولَ يوم صلح الحديبية، ويروي سهيلٌ قصته بعد أن دخل المسلمون مكة فيقول:[75]
لما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة وظهر، انقحمت بيتي وأغلقت عليَّ بابي، وأرسلت إلى ابني عبد الله بن سهيل أن اطلب لي جوارًا من محمد، وإني لا آمن من أن أقتل، وجعلت أتذكر أثري عند محمد وأصحابه فليس أحد أسوأ أثرًا مني، وإني لقيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الحديبية بما لم يلحقه أحد، وكنت الذي كاتبته، مع حضوري بدرًا وأحدًا، وكلما تحركت قريش كنت فيها، فذهب عبد الله بن سهيل إلى رسول الله فقال: "يا رسول الله، تؤمنه؟" فقال: «نعم، هو آمن بأمان الله، فليظهر»، ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمن حوله: «من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه، فليخرج، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل يجهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافع»، فخرج عبد الله إلى أبيه، فقال سهيل: "كان والله برًّا، صغيرًا وكبيرًا". فكان سهيل يُقبل ويُدبر، وخرج إلى حنين مع الرسول وهو على شركه حتى أسلم بالجعرانة.
[عدل]إسلام عكرمة بن أبي جهل وأسلم عكرمة بن أبي جهل المخزومي القرشي، حيث جاءت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل إلى الرسولِ محمدٍ فقالت: "يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه"، فقال الرسول: «هو آمن»، فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حيٍّ من عكٍّ فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطًا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر، فجعل نُوتيَّ السفينة يقول له: "أخلص"، فقال: "أي شيء أقول؟"، قال: "قل لا إله إلا الله"، قال عكرمة: "ما هربت إلا من هذا"، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلح عليه وتقول: "يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس، وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك"، فوقف لها حتى أدركته فقالت: "إني قد استأمنت لك محمدًا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"، قال: "أنت فعلت؟"، قالت: "نعم، أنا كلمته فأمنك"، فرجع معها وقال: "ما لقيتِ من غلامك الرومي؟"، فخبرته خبره فقتله عكرمة، وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة قال الرسولُ لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت»، وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: "إنك كافر وأنا مسلمة"، فيقول: "إن أمرًا منعك مني لأمر كبير"، فلما رأى الرسولُ عكرمةَ وثب إليه -وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس الرسولُ فوقف بين يديه، وزوجته متنقبة، فقال: "يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني"، فقال الرسول: «صدقت، فأنت آمن»، فقال عكرمة: "فإلامَ تدعو يا محمد؟" قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام، فقال عكرمة: "والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا"، ثم قال عكرمة: "فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، فسُرَّ بذلك الرسولُ، ثم قال: "يا رسول الله علمني خير شيء أقوله"، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله»، قال عكرمة: "ثم ماذا؟" قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تقول: أشهد الله وأُشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد»، فقال عكرمة ذلك. فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدًا إلا أعطيتكه»، فقال عكرمة: "فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه"، فقال الرسول: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه»، فقال عكرمة: "رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله"، ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيدًا. وبعد أن أسلم ردَّ الرسولُ امرأته له بذلك النكاح الأول.[76]
[عدل]إسلام أبي قحافة والد أبي بكر قالت أسماء بنت أبي بكر: «لما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟»، قال أبو بكر: "يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت"، قالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: «أسلم»، فأسلم، قالت: فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «غيروا هذا من شعره»»،[77] ويروى أن الرسول هنأ أبا بكر بإسلام أبيه.[78]
[عدل]إسلام فضالة بن عمير الليثي أراد فضالة بن عمير بن الملوح الليثي الكناني قتل الرسول وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه، قال الرسول: «أفضالة؟»، قال: "نعم، فضالة يا رسول الله"، قال: «ماذا كنت تحدث به نفسك؟»، قال: "لا شيء، كنت أذكر الله"، قال: فضحك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم قال: «استغفر الله»، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: "والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه"، قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: "هلم إلى الحديث"، فقلت: "لا"، وانبعث فضالة يقول:[79]
قالت هلمَّ إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك اللـهُ والإسلامُ لـو ما رأيـت محمدًا وقبيـله بالفتح يوم تٌكَسَر الأصنام لـرأيت دين اللـه أضحى بينا والشرك يغشى وجهَه الإظلام [عدل]إسلام عبد الله بن الزِّبَعْرَى شاعر قريش لما فتحت مكة فر عبد الله بن الزِّبَعْرَى السهمي (شاعرُ قريش) إلى نجران، فقال الصحابي حسان بن ثابت يعيره بالجبن والفرار:[80]
لا تعدمنْ رجلاً أحلك بغضه نجران من عيش أحذَّ لئيم بليت قناتك في الحروب فألقيت خمانة خوفاء ذات وصوم غضب الإله على الزبعرى وابنه وعذاب سوء في الحياة مقيم فلما جاء ابنَ الزبعري شعرُ حسان تهيأ للخروج فقال هبيرة بن أبي وهب: "أين تريد يا ابن عم؟"، قال: "أردت والله محمدا"، قال: "أتريد أن تتبعه"، قال: "إي والله"، قال: يقول هبيرة: "يا ليت أني كنت رافقت غيرك والله، ما ظننت أنك تتبع محمدا أبدا"، قال ابن الزبعري: "هو ذاك، فعلى أي شئ أقيم مع بني الحارث بن كعب، وأترك ابن عمي وخير الناس وأبرهم ومع قومي وداري"، ثم توجه إلى مكة وقصد الرسول، حتى جاء رسول الله وهو جالس وأصحابه، فلما نظر رسولُ الله إليه قال: «هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام»، فلما وقف على الرسولِ قال: "السلام عليكم أي رسول الله شهدت أن لا الله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، والحمد لله الذي هداني للإسلام، لقد عاديتك، وأجلبت عليك، وركبت الفرس والبعير، ومشيت في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران وأنا أريد ألا أقرب الإسلام أبدا، ثم أرادني الله منه بخير فألقاه في قلبي وحببه إلي، وذكرت ما كنت فيه من الضلالة، واتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يُعبد ويُذبح له، لا يدري من عبده ومن لا يعبده"، فقال له الرسولُ: «الحمد لله الذي هداك للإسلام، إن الإسلام يجب ما كان قبله»،[81] [82] فأسلم ومدح الرسولَ فأمر له بحلة.[83]
[عدل]إسلام أنس بن زنيم شاعر بني الدئل بن بكر حين خرج سيد قبيلة خزاعة عمرو بن سالم الخزاعي يستنصر النبي محمداً على قريش وبني الدئل، أنشده الأبيات المشهورة ثم قال له: "يا رسول الله إن أنس بن زنيم هجاك"، فأهدر النبي محمدٌ دمه، فبلغ ذلك أنس، فلما كان يوم الفتح أقبل على الرسولِ معتذرا، وقام سيد بني الدئل بن بكر نوفلُ بن معاوية الديلي الكناني فقال: "يا رسول الله، أنت أولى بالعفو، ومن منا لم يؤذك ولم يعادك؟ وكنا في الجاهلية لا ندري ما نأخذ وما ندع حتى هدانا الله بك وأنقذنا من الهلكة"، فقال الرسولُ: «قد عفوت عنه»، فقال: "فداك أبي وأمي"، فجاء أنس بن زنيم إلى النبي محمد وقال له: [84]
أَأَنت الذي تُهدَى مَعَدٌّ بأَمرِه بَل اللهُ يهديهم وقال لَكَ اشْهَدِ فما حَمَلَتْ مِن ناقةٍ فوق رحْلِها أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً من محمدِ أَحَثّ على خَيرٍ وأسبغ نَائِلاَ إذا راح كالسيف الصقيل المُهَنَّدِ وأَكْسَى لبرد الحالِ قبل ابتذاله وأعطى لرأس السابق المُتَجَـرِّدِ تَعَلَّمْ رسولَ الله أنك مدركي وأن وعيدًا منك كالأَخْذِ باليَدِ تَعَلّمْ رسولَ الله أَنّك قَادِرٌ على كل سَكْنِ من تِهامٍ ومُنْجِدِ تَعَلّمْ بأن الركب ركب عويمر هم الكاذبون المخلفو كل موعد أنبوا رسولُ الله أن قد هجوته فلا رفَعَتْ سَوْطِي إليّ إِذَنْ يَدِي سِوى أَنَّني قد قلتُ يَا وَيْحَ فِتْيَةٍ أُصِيبوا بِنَحْسٍ يوم طَلْقٍ وأَسعدِ أَصابَهُمُ من لم يكن لِدمَائِهِم كِفاءً فعزت عَبْرَتي وتَبَلُّدِي فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا بعبد بن عبد الله وابنة مهود ذُؤَيْبٌ وكُلثومٌ وسلمى تتابعوا جميعًا فإلاّ تَدمع العينُ أَكْمَدِ وسلمى وسلمى ليس حي كمِثله وإِخوتِه أو هَل مُلُوكٌ كأَعْبُدِ فإني لا عِرضًا خَرَقْتُ وَلاَ دمًا هَرَقْتُ فَفَكِّر عالِمَ الحقِّ واقصِدِ وقال بعض الأدباء إن بيت أنس:
فما حَمَلَتْ مِن ناقةٍ فوق رحْلِها أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً من محمدِ هو أصدق بيت شعر قالته العرب.[85] | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:30 am | |
| 9)نتائج فتح مكة
كان لفتح مكة نتائج كثيرة منها: أن دخلت مكةُ تحت نفوذ المسلمين، وزالت دولة قريش منها، وأصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب. وتحققت أمنية الرسولِ بدخول قريش في الإسلام، وبرزت الدولة الإسلامية قوةً كبرى في الجزيرة العربية لا يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف في وجهها.[20] | |
|
| |
نوريس هشام عضو مميز
عدد المساهمات : 99 نقاط : 5515 الكفاءة : 6
| موضوع: رد: فتح مكة الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 1:33 am | |
| | |
|
| |
محمدالصوباني مشرف قسم
عدد المساهمات : 662 نقاط : 6296 الكفاءة : 3
| موضوع: رد: فتح مكة الخميس ديسمبر 27, 2012 9:49 pm | |
| | |
|
| |
| فتح مكة | |
|